رام الله مكس-Ramallah mix
تعد ظاهرة وضع أغصان النخيل على القبور واحدة من تلك العادات التي دأب عليها أهالي مدينة نابلس شمال الضفة المحتلة، الملقبة بـ(دمشق الصغرى).. حيث يثار الجدل حولها بين المواطنين في كل عام، وتحديدا في مواسم الأعياد؛ نظراً لارتباط تلك العادة بالقضايا الدينية والوطنية والاقتصادية في آن واحد.
ولتقليد وضع أغصان النخيل جذور دينية خالصة، تحولت فيما بعد إلى تقليد ديني، ومن ثم أضحت عادة بل حتى عند البعض نوعاً من التفاخر الاجتماعي، حيث تستند في مشروعيتها إلى حادثة وقعت عند النبي عليه الصلاة والسلام أثناء مروره بإحدى المقابر، قال إن من فيها يعذبون لذنوب فعلوها فتناول نخلة صغيرة كانت على جانب الطريق، وقسمها إلى نصفين، وقام بوضعها على جانب القبر لينالوا شفاعته عليه الصلاة والسلام.
ومنذ ذلك الوقت اعتاد الناس وخاصة في العيدين (الفطر والأضحى) على وضع النخيل بجوار قبور موتاهم من باب التكريم لهم، وحرصاً منهم على التخفيف عنهم، ومما يمكن أن يتعرضوا لهم من عذاب في القبر.
ولعل ترسخ تلك العادة في بعض البلدان الإسلامية عامة وعند النابلسيين بشكل خاص يرجع إلى ارتباط المدينة بالثقافة الفاطمية التي سادت في زمن الحكم الفاطمي في القرون الثالث والرابع والخامس الهجري.
من جهته وصف الدكتور مصطفى الشنار المحاضر في قسم علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية عادة وضع النخيل على قبور الموتى عند النابلسيين بالمذمومة، مرجعاً ذلك إلى الجهل الديني عند المواطنين، حيث قال يرى أنه من أراد أن يتسبب بالأجر والثواب لقريب أو عزيز عليه فإنه من الأَولى تقديم ثمن “سعف” النخيل للأيتام والفقراء، خاصة أن مجموع ثمنها يقدر بعشرات الآلاف من الشواكل.
ولفت الشنار خلال حديثه لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، أن أغصان النخيل عادة ما تذبل بعد عدة أيام من وضعها، ومن ثم يأتي دور البلدية في جمعها بعد انتهاء مواسم الأعياد، حيث تقوم بإتلافها والتخلص منها، فضلاً عن أنها تشكل نوعاً من تلوث البيئة في المكان الموجودة فيه.
وعدا عن أسباب الرفض الآنفة الذكر عن تلك العادة، إلا أن البعد الوطني هو الآخر حاضر أيضا؛ حيث يوضح الشنار أن المواطن يقوم بالحصول على سعف النخل من التجار الذين يقومون بدورهم بشرائه من مزارع النخيل في الأغوار وأغلبها مزارع للمستوطنين الصهاينة.
ويضيف: مزارع النخيل آنفة الذكر كان المستوطنون قد سيطروا عليها بعد عام 1967، ويستغلون عادة وضع النخيل على القبور عند المجتمع الفلسطيني وخاصة النابلسي للحصول على أرباح هائلة في قضية لا علاقة لها بجوهر الدين.
ودعا الدكتور الشنار المواطنين بترجيح منطق اللغة والعقل بالتخلي عن هذه العادة والتركيز على التبرعات الخيرية التي تفيد المتوفين باعتبارها صدقة جارية.
وفي الفكر والفقه الإسلامي كانت تلك القضية حاضرة أيضا ما بين راض عنها ومعارض لها باعتبار أنها بدعة؛ ففي هذا الشأن يقول الشيخ الداعية جعفر هاشم أن حادثة وضع الرسول عليه الصلاة والسلام عند أحد القبور هي حادثة خاصة تحولت إلى عامة، وأصبحت ذات معتقد خاطئ عند المواطنين، وأصبح التجار يستغلونها لجني الأرباح.
وعزا هاشم خلال حديث خاص لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام”، تمسك الناس بعادة زراعة القبور رغم كونها مثار جدل إلى تمسكهم بالعادات والتقاليد التي ورثوها من آبائهم على مر السنين، كما أنهم يعدّونها نوعا من البرّ بالميت، بالإضافة إلى عدم وجود العلماء الشرعيين المتمكنين حينها من دحضهم تلك العادات المبنية على فتوى غير مدقق فيها.
وتعدّ مدينة نابلس مهداً للتناقضات والتعارض بين المذاهب الفقهية، الأمر الذي جعل من قضية وضع النخل على القبور مثار جدل على مر السنوات الماضية، ومن هنا يوضح هاشم أن الفكر الحنبلي لم يكن موجودا في نابلس حتى يكون لهذه العادة جذور صحيحة كما لغيرها من العادات المحببة لأهل المدينة.
ويدعو هاشم إلى الدعاء للميت وللتصدق عنه، وذكر محاسنه وتقديم الصدقة الجارية عن روحه، مؤكدا في الوقت ذاته أن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن كثرة زيارة القبور باعتبارها نوعاً من تجديد الأحزان الذي نهى عنه الشرع والدين.